هل أحرق عمرو بن العاص مكتبة الإسكندرية؟
بقلم: د نبيل لوقا بباوي
أستاذ القانون الجنائي
ذكر ابن العبري واسمه غريغوريوس أبو الفرج بن هارون في كتابه مختصر الدول أن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية بعد أن استأذن الخليفة عمر بن الخطاب, وأن هذا الحريق استغرق ستة أشهر وبالبحث وجدت أن ذلك الخبر ورد في دائرة المعارف البريطانية في الطبعة الحادية عشرة ثم حذف من دائرة المعارف البريطانية في الطبعة الرابعة عشرة بعد أن تأكد المحققون من عدم صدق هذا الخبر.
وهذا التناقض في اخبار دائرة المعارف البريطانية أوجد عندي فضولا علميا كباحث علمي محايد لمعرفة الحقيقة في حرق مكتبة الإسكندرية,
والحقيقة أن مصر كانت تحكمها الدولة الرومانية البيزنطية, وكان معظم شعب مصر من الأقباط الأرثوذكس, وكانت الدولة الحاكمة الرومانية وعلي رأسها هرقل يدينون بالملة الكاثوليكية, وفي عام630 م أصدر الامبراطور هرقل قرارا بأن كل الولايات التابعة للدولة الرومانية, ومنها مصر, لابد أن تدين بدين واحد وملة واحدة هي الملة الكاثوليكية, وعلي ذلك رفض أقباط مصر تغير ملتهم من الأرثوذكسية إلي الكاثوليكية, لذلك تعرضوا لأبشع أنواع العذاب, وقام الجنود الرومان بحرق متياس الأخ الأصغر للأنبا بنيامين بطريرك الأقباط الأرثوذكس حتي الموت أمام البطريرك لذلك هرب الأنبا بنيامين إلي الصحراء لمدة ثلاثة عشر عاما, وكان الجنود الرومان يعذبون الأقباط الأرثوذكس بقتلهم في زيت مغلي أو وضعهم علي نار هادئة حتي الموت وآخر ابتكارات الجنود الرومان أنهم أحضروا من القسطنطينية آلات خاصة لتقريب فروع الشجر, وكانوا يربطون الأقباط من أرجلهم وأيديهم في فروع الشجر ويجعلون الآلات تترك فروع الشجر فيتمزق جسد القبطي إلي أربعة أجزاء وقد ذكر المؤرخ ساديرس ألوان العذاب الذي كان يتلقاه الأقباط علي أيدي الجنود الرومان, وفي عام640 دخل عمرو بن العاص مصر بأربعة آلاف جندي عن طريق العريش ثم بلبيس ثم عين شمس ثم حصن بابليون ثم توجه إلي الإسكندرية,
وحاصرها لمدة أربعة عشر شهرا, ودخل الإسكندرية في عام642 والحقيقة المؤكدة أن عند دخول عمرو بن العاص للإسكندرية لم تكن مكتبة الإسكندرية موجودة حتي يحرقها لأنه بالبحث العلمي والتاريخي ثبت أن مكتبة الإسكندرية تم احراقها عن آخرها في عام48 ق.م في زمن الامبراطور يوليوس قيصر امبراطور الدولة الرومانية, ففي عام48 ق.م حضر يوليوس قيصر إلي الإسكندرية لفك النزاع القائم علي حكم مصر بين كليوباترا وأخيها بطليموس الصغير, وقد أحس بطليموس الصغير أن الامبراطور يميل إلي نصرة كليوبترا عليه نظرا لجمالها, وفي أثناء وجود الامبراطور يوليوس قيصر في القصر الملكي في الإسكندرية حاصره بطليموس الصغير بجنوده لذلك طلب يوليوس قيصر النجدة من قوات من بلاد أخري تابعة للامبراطورية الرومانية, وكان يوجد(101) سفينة علي شاطئ البحر الأبيض المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية وأمر يوليوس قيصر بحرق المائة سفينة حتي لا تستفيد منها القوات المحاصرة له وامتدت نيران حرق السفن إلي مكتبة الإسكندرية فاحرقتها كلها, وقام مقتل بطليموس الصغير وعين كليوبترا ملكة علي مصر واشرك معها في الحكم أخاها الأصغر بطليموس الرابع عشر, ومن هذا السرد التاريخي يتضح أن الذي حرق مكتبة الإسكندرية هو يوليوس قيصر دون قصد, ومن المعلوم كذلك أنه في عهد عمر بن الخطاب في ربيع الثاني من العام السادس عشر من الهجرة في عام637 م تم فتح بيت المقدس, وكان بيت المقدس به مكتبة كبيرة, ولو كان من عادة المسلمين حرق المكتبات لحرقوا مكتبة بيت المقدس, وكذلك تم فتح دمشق في العام الرابع عشر من الهجرة في عام635 م, وكان بها مكتبة كبيرة, ولم يتم حرقها, وقد تم فتح دمشق بمعرفة أبو عبيدة بن الجراح والثابت كذلك أنه تم فتح الشام في العام الثالث عشر من الهجرة في عام634, وكان بها مكتبة كبيرة ولم يتم حرقها فلم يكن من عادة المسلمين والعرب حرق المكتبات ففي أثناء غزوة يهود خيبر لنقضهم عقد الصحيفة في العام السابع الهجري في عام628 وبعد انتصار الرسول والمسلمين علي سلام بن مشكم زعيم خيبر كان من الغنائم صحائف التوراة وكتب اليهود أمر الرسول بتسليمها إلي يهود خيبر, وهذا يدل علي أنه ليس من سياسة الإسلام حرق كتب ومكتبات الآخرين وإلا كانوا قد احرقوا كل المكتبات في بيت المقدس, وفي دمشق وفي الشام, ولذلك فإن خبر أو واقعة أن عمرو بن العاص هو الذي احرق مكتبة الإسكندرية بعد استئذان الخليفة عمر بن الخطاب واقعة مكذوبة ولا أساس لها من الصحة لأن التاريخ ثابت والتاريخ لا يكذب.